الزواج بالمحكمة بدون ولي

الزواج بالمحكمة بدون ولي

الزواج هو من أسمى الأمور والقضايا التي ناقشها الدين الإسلامي، ويهدف لتحقيق المودة والسكينة بين الزوجين، ولا يصح إلا بعد توافر عدة شروط من أهمها وجود ولي الأمر كالأب أو الجد أو الأخ أو العم، وقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم على أن إتمام الزواج بدونه يعد باطلًا، الزواج بالمحكمة بدون ولي قضية تناولها الفقهاء وعلماء القانون منذ زمن، واختلفت الآراء حوله.

الولي الشرعي في الإسلام

من أهم الخصال التي لا بد أن تتسم بها المرأة المسلمة هي العفاف والحياء والحشمة في كافة الأمور، وأنه لا يجب أن تباشر المرأة عقد زواجها بنفسها، ثيبًا كانت أو بكرًا، وذلك مخافة أن تقع في مواطن للشك، وأيضًأ لصيانة نفسها وعرضها، وكان كبار العلماء والفقهاء يشبهون المرأة التي تتزوج بدون استئذان وليها بأنها لسيت عفيفة، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه: “الزانية التي تنكح نفسها”.، وقال ابن العباس رضي الله عنه أن من تنكح نفسها بغير ولي فهي البغي، ويقصد بها المرأة الفاجرة.

الولاية في النكاح

تعرف الولاية في الشرع على أنها تنفيذ القول أو الأمر على الغير، وشروط الولاية هي أن يكون الولي رجل بالغ عاقل غير محرم بعمرة أو حج، فلا يحق للمرأة أن تكون ولية، لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تزوج المرأةُ المرأةَ”، وتنقسم الولاية إلى:

ولاية إجبار: وهي سلطة الممنوحة للرجل بالقيام بأي أمر نيابة عن المرأة بهدف الوصاية أو الأبوة أو الملك أو العصبة أو الكفالة، وتكون تلك الولاية إلزامية.

ولاية غير إجبار: هي تلك السلطة التي يمتلكها الرجل تثبت حقه في القيام بشأن المرأة بصفة الأبوة أو الوصاية أو غيرها، وليس بها إلزام.

الزواج بدون ولي في المذاهب الأربعة

أما الفقهاء فقد انقسمت آرائهم ما بين إجازة الزواج بدون ولي وبين ممانعة كالآتي:

أجاز الإمام أبو حنيفة النعمان وكذلك الزهري والشعبي بصحة تزويج المرأة البالغة الراشدة لنفسها من رجل كفء لها، واستدل على ذلك بقوله -تعالى-: “حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ”، وأنه في تلك الحالة يكون الوالد أو الزوج أو الأخ وكيل وليس ولي، كما أجاز السرخسي والطحاوي النكاح، وقد استدلوا بقوله تعالى: “وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ”، مع وجوب تتوافر كافة شروط الزواج على المذهب الحنفي، وهي:

  1. رضا الزوجين.
  2. وجود شاهدي عدل.
  3. تمييز الزوجين: أي أن يقول الولي: “زوجتك ابنتي فلانة”.
  4. وجود الولي.
  5. ألا يوجد ما يمنع النكاح، مثل النسب والمصاهرة والعدة.

أما رأي جمهور الفقهاء الذي اتفق معه المذهب المالكي والحنبلي وكذلك الشافعي هو أن نكاح المرأة بدون إذن وليها هو باطل، وقد استدلوا على ذلك بقوله جل علاه: “فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ”، وكذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لا نكاح إلا بولي، والسلطان ولي من لا ولي له”.

الزواج بالمحكمة بدون ولي في القوانين المختلفة

ذكرت المادة 34 من قانون رقم 28 للأحوال الشخصية الإماراتي لسنة 2005 أنه في حال عدم وجود الولي وغيابه وانقطاع سبل الوصول إليه فإنه تقضي المحكمة بانتقال الولاية لمن يليه في القرابة، وفي حال أن الولي منع المرأة من الزواج ظلمًأ وتضييقًا عليها، فإن الولاية تسقط من عليه ويصبح وليها هو القاضي، وهذا ما نصت عليه المادة 35 من القانون: “القاضي ولي لمن لا ولي له”، ويبطل العقد إذا كان بغير ولي.

أما القانون المصري والأردني والسوري، وكذلك قانون الأحوال العراقي والتونسي قد اتخذ المذهب الحنفي منهاجًا له، وأعطى للمرأة البالغة الرشيدة الحق الكامل في أن تزوج نفسها دون إذن وليها من رجل كفء، وبمهر مثلها، وشرط صحة الزواج دون ولي هو أن تكون قد تخطت 21 عامًا من عمرها، أما الفقهاء فقد أجازوا النكاح دون ولي شرط أن يكون هناك وكيل لها، وقد يكون المأذون ولي الفتاة، إذ يضمن كتابة كافة حقوقها الشرعية كالمؤخر وغيره.

لم يمنح القانون السعودي واليمني والسوداني المرأة الحق في تزويج نفسها دون ولي لها، وفي حال غياب الولي أو ثبوت العضل تنتقل الولاية إلى القاضي.

هل يجوز للبكر أن تزوج نفسها بغير ولي؟

أن يكون للرجل الولاية على المرأة لا ينقص منها شيئًا، بل هو من أهم أصول الشرع التي تحفظ كرامة ومنزلة المرأة، ولكي لا تقع ضحية في أيدي رجل لا يصونها، وأن وجود الولي يعطي للزوج إنذار بعدم انتهاك حقوقها لأنه سيجد من يدافع عنها ويسترد حقوقها إذا سُلبت.

يقول العلماء وجمهور الفقهاء أنه لا يحل لأي امرأة سواء كانت بكرًا أو ثيبًا الزواج دون وليها، وأن أولى الناس بالولاية والدها ثم جدها ثم أخوها والأقرب فالأقرب، فإن لم يكن لها أقارب فإن السلطان ولي لمن لا ولي له.

هل يجوز للمطلقة الزواج بدون ولي؟

المرأة المطلقة أو “الثيب” شأنها شأن البكر، وحكم زواجها دون إذن من يتولى أمرها باطل، ويكون عقد الزواج فاسد من وجهة نظر جمهور الفقهاء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: “لا تزوج المرأة نفسها”.

الجدير بالذكر أنه واحدًا من أكثر الزيجات التي تنتهي بالطلاق هي التي يغيب عنها الولي، وتستقل فيه الفتاة بتزويج نفسها، فتزداد المشكلات وتنشأ الكثير من الخلافات والعنف، وما يترتب عليه من انهيار الحياة الزوجية وتأثر الأطفال.

ما هي أسباب انتشار الزواج بدون ولي؟

من أهم العوامل التي ساعدت على تفشي ظاهرة النكاح بلا ولي في مجتماعاتنا الإسلامية عامة، والعربية خاصة هي:

  1. ضعف رقابة الوالدين: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته…والرجل راعٍ على أهل بيته…”، فإن انشغال الولي عن واجبه التربوي قد ساعد على انتشار ظاهر انحلال السلوك الأخلاقي للأبناء، والاختلاط بين الجنسين،واندثار الحياء والعفة، واللجوء إلى الزواج بدون إذنه.
  2. غلاء المهر: ارتفاع تكاليف الزواج إما بسبب أحوال البلد الاقتصادية، أو زيادة المطالب التي يفرضها الولي أدت إلى أن يبحث الشاب عن طريقة أيسر للزواج بهدف إشباع رغبته دون أن يدفع أي تكاليف.
  3. وجود العضل: والعضل هو رفض الولي من تزويج الفتاة لرجل كفء دون وجود مبرر أو مانع للنكاح، وقد يكون الهدف مجرد المكابرة أو طمع الولي المادي، وهي من الأمور التي نهى الله عنها صراحة، فقال تعالى: “فلا تعضلوهن”.
  4. اختلاف الفقهاء: ظهور الفتوى التي تجيز بالزواج دون ولي أدت إلى اضطراب النس ما بين مخالف وبين مؤيد.
  5. وجود فرق في المستويات الاجتماعية، وكذلك فرق في العمر بين الرجل والمرأة، وتأخر سن الزواج.
  6. الجهل بالشرع: من أهم أسباب اضطراب البعض بشأن تلك المسألة هو جهلهم بأحكام الزواج الشرعية، والرغبة في التشبه بالمجتمعات الغربية التي يشوبها الفساد والانحطاط الأخلاقي، مما أدى إلى سرعة تفشي تلك الظاهرة الخطيرة، خاصة بين الشباب.
  7. ضعف الإيمان: على الرغم من دراية البعض بأن الدين قد حرم الزواج بلا ولي، إلا أن البعض ينفذه رغبة في إرضاء الهوى والشهوة، وعدم الخوف من انتهاك حرمات الله.

صيغة عقد الزواج بدون ولي

كما ذكر سابقًا أن القانون الإماراتي قد أجاز النكاح بدون ولي، على أن يكون القاضي هو ولي المرأة، ولكن لا بد من توافر بعض الشروط، وإلا يعد الطلب مرفوض، وهي:

  • خلو الزوجين من موانع النكاح.
  • أن يقدم الرجل ما يثبت أنه كفء.
  • أن يكون مهر المرأة هو مهر المثل.
  • تقديم الفتاة ما يثبت أنه ليس لها ولي أمر، إما متوفي أو غائب ولا يمكن التواصل معه.
  • في حال كانت المرأة أجنبية ومقيمة في الدولة، فلا بد أن تكون إقامتها شرعية.

حكم فسخ عقد الزواج بدون ولي

انقسمت الأحكام بشأن النكاح بلا ولي إلى:

أولا: يعد هذا العقد باطلًا ولا يعتد به، والنكاح فاسدًا ويتم فسخه ووجوب التفريق بين الزوجين، عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل، وقالها ثلاثًا…”.

ثانيا: أن يحكم القاضي بجوازه أو نقضه، وفيها اختلف علماء الفقه، فالبعض يقول أنه لا بد من نقض العقد لأنه مخالف للشريعة، والآخر يرى أنه لا ينقضه، ويقضي بصحته.

ثالثًا: إذا تزوجت المرأة بدون ولي فإنه لا يجوز أن تنكح المرأة رجلًا آخر قبل أن يفسخ القاضي أو السلطان العقد ويتم الطلاق.

رابعًا: إذا تزوجت الفتاة بدون رغبة الولي، ولكنه رضي عن الزواج بعدها بفترة فإنه لا بد من تجديد عقد الزواج وبطلان القديم، وأن يكون العقد الجديد وافيًا لكافة الشروط 

الولي هو من ينوب عن الفتاة وينقل رغبتها وموافقتها على الزواج في مجلس الرجال، وهو أحد أهم الأمور التي تصون حق ومكانة الفتاة، وفي بعض البلدان العربية والتي من ضمنها الإمارات قد أجازت نكاح المرأة نفسها بدون ولي، ولكن مع مراعاة بعض الشروط كغياب الولي أو العضل، إلا وكان عقد الزواج باطلًا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

arArabic

Request a legal advice